سورة الأحقاف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


أف: كلمة معناها التضجّر، وهي مستعملة كثيرا. أن أُخرج: إن ابعث من القبر. خلت القرونُ من قبلي: مضت الأممُ من قبلي ولم يبعث أحدٌ من قبره. ويلك: دعاء عليه بالهلاك. الهلاك لك. اساطير الاولين: أباطيلهم وخرافاتهم. حقَّ عليهم القول: حق عليهم العذاب: الخاسرين: الّذين ضيّعوا انفسهم باتّباع شهوانهم وعدم الايمان بالله ورسوله. الدرجات: المنازل. أذهبْتم طيباتكم: أذهبتم حياتكم وشبابكم وقوّتكم باتّباع شهواتكم في الدنيا. الهُون: الهوان والذل.
بعد أن مضى الحديث عن حال البررة من الأولاد، بيّن هنا حالَ الاشقياء العاقّين للوالدَين، الجاحدين المنكرين للبعث والحساب.
والفريق الثاني من الناس هو الذي ينهر والديه ويقول لهما أفّ لكما ولما تؤمنان به، اتقولان لي إني سأُبعث من قبري حيّا بعد موتي، وقد مات قبلي كثيرٌ من الناس لم يعُدْ منهم أحد، أنا لا اصدّق هذا ولا أومن به!
ووالداهُ يستصرخان اللهَ مستغيثين أن يوفق ولدهما إلى الايمان، ويقولان له: ويلكَ، آمِنْ قبل ان تهلك وتموتَ ثم تحشَر إلى النار، {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} فيردّ عليهم بأنّ كل ما يقولانه خرافاتٌ من أساطير الاقدمين.
هذا الصنف من البشَر هم الذين حقَّ عليهم وقوعُ العذاب مع أممٍ قد مضت من قبلِهم من الجنّ والانس، {إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ}.
روى البخاري والترمذي وأبو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أكبرِ الكبائر ان يلعنَ الرجلُ والديه أو يعقَّهما».
ولكل من المؤمنين والكافرين منازلُ تلائمهم بحسب أعمالهم، ليظهرَ عدلُ الله فيهم، وليوفيهم جزاءَ أعمالهم {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
واذكر أيّها الرسول يومَ يُعرض الكافرون على النار يقال لهم: لقد استوفيتم ملذّاتِكم وشهواتِكم في الدنيا، واستمتعتُم بها، فاليومَ لكم أشدُّ العذاب بالذلّ والهوان بما كنتم في الدنيا تفسُقون وتستكبرون.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {نتقبل}، {ونتجاوز} بالنون. والباقون: {يتقبل} و{يتجاوز} بالياء. وقرأ هشام: {أتعدانّي} بنون واحدة مشددة. والباقون: {اتعدانني} بنونين بدون تشديد. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان: {لنوفيهم} بالنون. والباقون: {ليوفيهم} بالياء. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب: {أأذهبتم طيباتكم} بالاستفهام، والباقون: بهمزة واحدة، وابن كثير يقرأ بهمزة ممدودة.


أخا عاد: هو هود عليه السلام. الأحقاف: جمع حِقف بكسر الحاء، رمال معوجة مستطيلة، وهي بلاد بين عُمان وحضرموت كما تقدم في الكلام على مقدمة السورة. النذُر: جمع نذير، وهو المنذر. من بين يديه: من قبله. ومن خلفه: من بعده. لتأفكنا: لتصرفنا. بما تعدنا: من تعجيل العذاب. العارض: السحاب الذي يعرض في افق السماء. مستقبل أوديتهم: متجها اليها. وحاق بهم: نزل بهم. صرّفنا الآيات: بيناها. قرباناً: متقربا بها إلى الله. ضلّوا عنهم: غابوا عنهم. وذلك إفكُهم: وذلك الذي حل بهم عاقبة كذبهم وافترائهم.
اذكر ايها الرسول لقومك المكذِّبين هوداً، أخا قوم عادٍ، الذي حذّر قومه الذين كانوا يسكنون الأحقاف. وقد مضت الرسُل قبله وبعدَه بمثل ما أنذَر به قومه، اذ قال لهم: لا تعبدوا الا الله وحده، {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. فما كان جوابُ قومه الا أن قالوا: أجئتنَا لتَصرِفَنا عن عبادة آلهتنا، فأتِنا بما تعِدُنا من العذابِ ان كنتَ من الصادقين.
فقال هود: إنما العِلم بوقتِ عذابكم عندَ الله وحده، وأنا ابلِّغكم رسالة ربي اليكم، {ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} ما تُبعث به الرسُل وما في مصلحتكم.
فأتاهم العذابُ في صورة سحاب. فلَمّا رأَوه ممتدّا في الأفُق مقبلاً على أوديتهم ظنّوه غيثاً فقالوا فرِحين: هذا سحابٌ جاءنا بالمطر والخير. فقيل لهم: بل هو العذابُ الذي طلبتموه واستعجلتم به. إنها ريحٌ فيها عذابٌ شديدُ الألم، تُهلك كلَّ شيء بأمر ربِّها. ولقد دمرتْهم واستأصلت جميع الأحياء في تلك البلاد.
{فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}
أصبحوا أثراً بعد عَيْن. بمثل هذا نجزي كلَّ من أجرمَ واستكبر ولم يؤمن بالله ورسله.
ولقد مكنّا عاداً وقومه بالقوة والسَّعة ما لم نمكّن لكم يا أهل مكة، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لم ينتفِعوا بها لأنهم كانوا مصرّين على إنكار بآيات الله وجحدها.
{وَحَاقَ بِه مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
وأحاط بهم العذابُ الذي كانوا يستهزئون به.
ولقد أهلكنا القرى التي كانت حولكم يا أهلَ مكة، وبينّا لهم الآياتِ المتنوعةَ والحجج لعلّهم يرجعون عن الكفر. فلم يَرعَووا ولم يرجِعوا. فخُذوا عبرةً من كل ما تلوناه عليكم وارجِعوا عن كفركم وعبادةِ الأوثان لعلّكم تُفلحون.
والمقصود بالقرى التي حولَهم هي أقوام هود وصالح ولوط وشعيب لأنهم كانوا حول ديارهم.
{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ}.
هنا يقول الله تعالى: لم تَنصرهم آلهتُهم وأوثانهم الذين عبدوهم من دون الله، واتّخذوا عبادتَهم قرباناً يتقرّبون به إلى ربهم فيما زعموا، بل غابوا عنهم وتركوهم في أحرجِ الأوقات.
{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}
وذلك الذي حلّ بهم من خِذلان آلهتهم لهم وضلالِهم عنهم هو عاقبةُ كذِبهم.
قراءات:
قرأ عاصم وحمزة وخلف: {لا يُرى الا مساكنهم} بضم الياء من {يرى}، ورفع النون. والباقون: {لا تَرى الا مساكنهم} بفتح التاء ونصب النون.


صرَفَنا اليك: وجّهنا اليك. النفر: ما بين الثلاثة والعشرة. قُضِيَ: فرغ من تلاوته. ولّوا: رجعوا. من يجِرْكم: من ينقذكم. داعي الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد أن ذكر اللهُ ان في الانسِ من آمنَ ومنهم من كفر، بيّن هنا ان الجنّ كذلك، وأنهم عالَمٌ مستقلّ بذاته. ويجب ان نعلم ان عالَم الملائكة وعالَم الجن يختلفان عنا تمامَ الاختلاف ولا نعلم عنهما شيئا الا من الاخبار التي جاءت بها الرسُل الكرام. ونحن نؤمن بوجودهما، وان النبيّ عليه الصلاة والسلام بلّغ الجنَّ رسالته كما ورد هنا وفي عدد من السور.
أخرج مسلم وأحمد والترمذي عن علقمة قال: قلت لعبدِ الله بن مسعود، هل صحبَ رسولَ الله منكم احد ليلة الجنّ؟ قال ما صحبه منا أحد، ولكنّا افتقدناه ذات ليلة، فبتنا بشرِّ ليلة باتَ بها قوم. فلمّا كان وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قِبَل حِراء، فقال: اتاني داعي الجن فأتيتُهم فقرأتُ عليهم القرآن. فانطلق فأرانا آثارهم... الحديث.
وخلاصة معنى هذه الآيات:
لقد وجّهنا إليك أيها الرسول مجموعةُ من الجن ليستمعوا القرآن، فلما سمعوه قالوا: أنصِتوا. فلما فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم فأنذروهم، وقالوا لهم: يا قومنا، لقد سمعنا آياتٍ من كتاب انزله الله من بعد موسى مصدِّقاً لما تقدَّمه من الكتب الالهية، يهي إلى الحق، والى شريعة قويمة، وحياة كريمة، فآمِنوا به يغفرْ لكم من ذنوبكم. يا قومنا أَجيبوا داعي الله الذي يهدي إلى الحق، ومن لم يجب الداعي فإن الله سيهلكه، ولن يستطيع أحد أن يحميَه، ان الذين لا يطيعون الله ورسوله في ضلال مبين.

1 | 2 | 3